کد مطلب:5439 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:360

ما هو الفقر؟
مقاله


>تعريف الفقر و الفقير

>درجات الفقير

>النسبيه في الفقر

>معاني الفقر

>الفقر المذموم

>فقر الدين

>الفقر الممدوح

>الغني الممدوح

>الفقر ذل

>القناعه هي الغني

>الحرص فقر

>فقر الصالحين

>الزهد صفه العارفين

>المال مال الله

>المال وسيله و ليس غايه



تعريف الفقر و الفقير



الفقر في اللغه هو ما يكسر فقار الظهر، و الفقير هو المكسور فقار الظهر.

و الفقير الشرعي هو الذي لايملك قوت سنته له و لعيا له، لا قوه و لا فعلا. نقصد بالقوه اذا كان له مرتب شهري او مورد ياتيه علي دفعات خلال العام.

و تسمي الحاله بين الفقر و الغني: الكفاف، و هي ان يكون الانسان مكتفيا بدون زياده.

و الفقر لايكون من المال فحسب، فهو يطلق ايضا علي فقر العلم و فقر النفس و فقر الدين و فقرالقوه، و كلها تعني فقد الشي و الحاجه اليه.



درجات الفقير



وردت في القرآن آيات كثيره تذكر الفقير و المسكين، منها آيه الزكاه التي تبين مصارف الزكاه حيث تقول:

(انما الصدقات للفقراء و المساكين و العاملين عليها) (التوبه 60)

مما يدل علي ان الفقير غيرالمسكين.

و قد اختلف في الفرق بينهما و ايهما اكثر خصاصه و عوزا.



[ صفحه 4]



و في مجمع البحرين ج 3 (ماده فقر) يقول الشيخ الطوسي في النهايه: ان المسكين اسوا حالا من الفقير، لقوله تعالي (او مسكينا ذا متربه) و ذو المتربه هو المطروح علي التراب من شده احتياجه.

و ليس اوضح في الدلاله علي الفرق بين الفقير و المسكين مما روي في الصحيح عن عبدالله بن مسكان بن ابي بصير، قال: قلت للامام جعفر الصادق (ع) في قوله تعالي (انما الصدقات للفقراء و المساكين...) فقال (ع): «الفقير الذي لايسال الناس، و المسكين اجهد منه، و البائس اجهدهم.

فالفقير هو الذي لايملك و لا يسال، مصداقا لقوله تعالي:

(للفقراء الذين احصروا في سبيل الله، لايستطيعون ضربا في الارض، يحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف، تعرفهم بسيماهم، لايسالون الناس الحافا، و ما تنفقوا من خير فان الله به عليم) (البقره 273)

و الاول، اي الفقير العفيف الذي لايسال، هو اولي بالعطاء من غيره، لذلك ذكر في آيه الزكاه قبل المسكين الذي يسال.

و في زماننا الحاضر لانجد الفقير العفيف الا في النادر، لابل ان اكثر من يسالون و يتظاهرون بالفقر هم مكتفون او اغنياء.



النسبيه في الفقر



تختلف حاجات الانسان. في الحياه مع تقدم الحضاره و الرفاهيه. فاليوم اصبح المنزل المستقل من حاجيات الفرد، كما اتسعت الحاجات المنزليه حتي اصبحت تضم الغساله و البراد و ما الي ذلك.

و في حين كان الاولاد لايكلفون اباهم نفقه تذكر، اصبحوا اليوم عب كبيرا عليه. و الامام علي (ع) يقول: «قله العيال احد اليسارين».

و بما ان الفقير هو الذي يكون مورده اقل من مصروفه، فلا يبعد اليوم ان نعتبر الموظف و كل من يتقاضي اجرا مقطوعا: فقيرا، اذا كان يعيل عده اولاد. [1] .



[ صفحه 5]



معاني الفقر



ورد الفقر في القرآن و الاحاديث بمعان مختلفه. و يمكن حصر معاني الفقر علي اربعه وجوه هي:



>وجود الحاجه الضروريه

>عدم المقتنيات

>فقر النفس

>الفقر الي الله تعالي



وجود الحاجه الضروريه



و ذلك عام للانسان و للموجودات كلها. يقول تعالي (انتم الفقراء الي الله، و الله هو الغني الحميد). (سوره فاطر- 15).



عدم المقتنيات



و هو المذكور في قوله تعالي (للفقراء الذين احصروا في سبيل الله...) (البقره- 273).

و هم الذين منعهم عملهم في سبيل الله عن الكسب.



فقر النفس



و هو المعني بقول النبي (ص): «كاد الفقر ان يكون كفرا». [1] .



الفقر الي الله تعالي



كما في قول موسي (ع): (رب اني لما انزلت الي من خير فقير) (القصص- 24)

و هو المشار اليه بقول النبي (ص): «اللهم اغنني بالافتقار اليك، و لا تفقرني بالاستغناء عنك».



الفقر المذموم



من الوجوه السابقه يتبين ان من الفقر ما يكون مذموما، و منه ما يكون محمودا ممدوحا.

و الفقر بلحاظ ذاته كفر، لكنه اذا اقترن بالصبر اصبح عباده وزينا للمومن.

و السبب في ان الفقر بذاته كفر، ان الانسان اذا لم يكن ورعا و واثقا بر به ثقه تامه، فان فقره قد يدفعه لاستخدام كل وسيله للحصول علي المال، دون ان يتقيد بالشرع، فيغتصب و يسرق و يحتال، و قد يفعل غير ذلك من المحرمات، فيضل و يكفر. و لذلك قال النبي (ص): «كاد الفقر ان يكون كفرا». و قال (ص) في الامام علي (ع): «لو تمثل الفقر لعلي رجلا لقتله». و هو الذي عبرنا عنه «بفقر النفس» [1] لان غني النفس يدفع



[ صفحه 6]



الانسان الي التعفف عما في ايدي الناس. يقول الامام (ع): «الغني الاكبر، الياس عما في ايدي الناس» (الحكمه 342 نهج).

قال بعض اصحابنا: جاء في دعاء النبي (ص): «نعوذ بك من الفقر و القله». قيل: الفقر المستعاذ منه انما هو فقر النفس الذي يفضي بصاحبه الي كفران نعم الله و نسيان ذكره، و يدعوه الي سد الخله (اي سد حاجته) بما يتدنس به عرضه و يثلم به دينه. و القله تحمل علي قله الصبرا و قله العدد.

و قال الامام علي (ع) لابنه محمد بن الحنفيه: «يا بني، اني اخاف عليك الفقر، فاستعذ بالله منه، فان الفقر منقصه للدين، مدهشه للعقل، داعيه للمقت» (الحكمه 319 نهج).

و في الخبر انه (ص) تعوذ من الفقر، و قال: «الفقر سواد الوجه في الداراين»، ثم قال في موضع آخر: «الفقر فخري و به افتخر علي سائر الانبياء»، و قال (ص): «اللهم احيني مسكينا و امتني مسكينا واحشرني في زمره المساكين». فكيف نوفق بين القولين؟ يمكن ذلك بلحاظ ان الفقر الذي تعوذ منه هو الفقر الي الناس، و الذي دون الكفاف، و الذي افتخر به (ص) الفقر الي الله تعالي.

و سوال الفقر لم يرد في الادعيه، بل ورد في اكثرها الاستعاذه من الفقر الذي يشقي به الانسان، و عن الغني الذي يصير سببا لطغيانه.



فقر الدين



و من ادني معاني الفقر «فقر الدين» و هو الفقر الحقيقي، لانه يورد صاحبه الي النار و الي غضب الجبار. و فيه قال الامام علي (ع): «الفقر الموت الاكبر». [1] .

عن الامام جعفر الاصادق (ع) قال: «الفقر الموت الاحمر». فقلت له: الفقر من الدينار و الدرهم؟ قال: «لا، ولكن من الدين».

و في ذلك قال الامام علي (ع): الفقر و الغني بعد العرض علي الله» (الحكمه 452 نهج). و هو نظير ما اشار اليه النبي (ص) بقوله: «اتدرون ما المفلس؟» فقيل: المفلس فينا من لادرهم له و لا متاع له. فقال (ص): «المفلس من امتي من ياتي يوم القيامه بصلاه و زكاه، و ياتي قد شتم هذا و قذف هذا و اكل مال هذا و سفك دم هذا و ضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته و هذا من حسناته، فان فنيت حسناته قبل ان يقضي ما عليه، اخذ من خطايا هم فطرحت عليه، ثم طرح في النار».



[ صفحه 7]

الفقر الممدوح



في الخبر الماثور: «من احبنا اهل البيت فليعد للفقر جلبابا» [1] .

و عن الامام الصادق (ع) قال في مناجاه موسي (ع): «يا موسي اذا رايت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين، و اذا رايت الغني مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته»

و عن الامام الصادق (ع) قال النبي (ص): «طوبي للمساكين بالصبر، و هم الذين يرون ملكوت السموات و الارض».

فالفقر الممدوح هو الذي يقترن بالتعفف و الصبر. و الفقير الممدوح هو من لايجد الا القوت من التعفف، و لا يوجد من هذه صفته في الف الف واحد.

و في ذلك يقول الامام علي (ع): «الفقر ازين للمومن من العذار علي خدا لفرس. و ان فقراء المومنين ليتقلبون في رياض الجنه قبل اغنيائهم باربعين خريفا»

و قيل للفقر ثلاثه احوال هي:

اولها: الرضا بالفقر و الفرح به، و هو شان الاصفياء.

ثانيها: الرضا به دون الفرح، و هذا له ثواب ولكن اقل من الاول.

ثالثها: عدم الرضا به والكراهه في القسمه، و هذا لا ثواب له اصلا

هذا و اذا كان الغني مدعاه للفجور، كان الاكتفاء مع العفه افضل بلامقارنه. يقول الامام علي (ع): «و الرحفه مع العف9، خير من الغني مع الفجور» (الخطبه رقم 270 نهج)



الغني الممدوح



غالبا ما يكون الغني بالنسبه للانسان استدراجا له و امتحانا لايمانه و تقواه. يقول الشاعر تحت عنوان (الدرهم محك الاتقياء):



لايغرنك من المرء رداء رقعه

و قميص فوق ساق الكعب منه رفعه





[ صفحه 8]



وجبين لاح فيه اثر قد قلعه

اره الدرهم تعرف غيه او ورعه



فان هو شكر ربه، بان اخرج الحقوق من ماله، فواسي بها الفقراء، و لم يدفعه غناه الي التكبر عليهم، و لم ينشغل بغناه عن واجباته الدينيه، و لم يسقه غناه الي الفجور، خرج من امتحانه ناجحا، والا كان ماله و بالا عليه و خسر خسرانا مبينا.

يقول الامام علي (ع): «العفاف زينه الفقر، و الشكر زينه الغني» (الحكمه 68 نهج).

و يقول (ع): «ما احسن تواضع الاغنياء للفقراء طلبا لما عندالله!. و احسن منه تيه الفقراء علي الاغنياء اتكالا علي الله» (الحكمه 406 نهج).

و عن الامام الصادق (ع): «لاخير فيمن لايحب جمع المال من حلال، يكف به وجهه، و يقضي به دينه، و يصل به رحمه».

و غالبا ما يصد المال الغني عن طاعه الله، فيغريه الشيطان بارتكاب المحرمات، و لو ظل فقيرا لكان خيرا له. و في ذلك يقول تعالي: «زين للناس حب الشهوات من النساء و البنين و القناطير المقنطره من الذهب و الفضه...» (سوره آل عمران- 14)

و يقول الامام علي (ع): «المال ماده الشهوات» (الحكمه 58 نهج).

لذلك وردت في الادعيه الاستعاذه من الغني الذي يصير سببا لطغيان الانسان، مصداقا لقوله تعالي:

«ان الانسان ليطغي ان راه استغني) (العلق- 6).



الفقر ذل



و ليس اذل للانسان من ان يصبح محتاجا الي الناس، فالفقر في نظر صاحبه ضعه و ذله، و في نظر الناس استهانه و استخفاف.

فالفقير الذي لايجد قوت يومه، يشعر بالهوان و عدم القيمه في هذه الحياه، لانه لايستطيع ان يعمل شيئا بدون مال... فاذا هو صبر علي ما ابتلاه الله كان له مثل اجر الصائم القائم، و ان هو لم يصبر، و شرع باستعطاء الناس كانت مسالته ذلا اكبر، لاسيما اذا كان الذي ساله قادرا علي سد حاجته، ولكنه رده خائبا، فهو في هذه الحاله يتمني الموت علي ذلك.

عن الامام الصادق (ع) قال: قال رسول الله (ص): «يا علي ان الله جعل الفقر امانه عند خلقه، فمن ستره اعطاه الله مثل اجر الصائم القائم، و من افشاه الي من يقدر علي قضاء حاجته



[ صفحه 9]



فلم يفعل، فقد قتله. اما انه ما قتله بسيف و لارمح، ولكنه قتله بما نكا من قلبه». و نكا القلب جرحه او قتله.

و من ابشع صور ذل الفقير، ان يتذلل الي انسان مثله لمجرد كونه غنيا، مستهينا بعزه الايمان.

يقول الامام علي (ع): «و من اتي غنيا فتواضع له لغناه، ذهب ثلثا دينه» (الحكمه 228 نهج).

و يقول (ع): «ما اقبح الخضوع عند الحاجه، و الجفا ء عند الغني» (الخطبه 270 نهج)

و تبلغ نظره الناس الي الفقير مبلغا من الاحتقار تجعله يخرس عن ابداء حجته التي لايصغي ايها الناس، فان تكلم بحق اسكته الناس و كذبوه، و اذا اخطا استكبروا خطيئته. و لم يعنه احد علي ضعفه و مسكنته، فيشعر انه غريب و ان كان يعي في وطنه، و لايرمق من بعيد الا صوره من ياتي ليطالبه بدينه او باجره بيته.

لذلك قال الامام علي (ع) في ابلغ عباراته: «الغني في الغربه وطن، و الفقر في الوطن غربه» (الحكمه 56 هج).

و قال (ع): «الفقر يخرس الفطن عن حجته، و المقل غريب في بلدته» (الحكمه رقم 3 نهج).

و قال (ع): «اذا اقبلت الدنيا علي احد اعارته محاسن غيره، و اذا ادبرت عنه سلبته محاسن نفسه» (الحكمه رقم 8 نهج).

اما الغني فكل الناس تعظمه و تسلم عليه و تطلب القرب منه، و اذا جلس في مجلس بجلوه، و اذا تكلم بكلام سخيف عظموه، و اذا اخطا اغفلوا خطاه... حتي اذا ما ذهب ما له و قل خيره انفضوا من حوله، كالشجره المثمره اذا انتهي موسم ثمرها و سقطت اوراقها لم ياتها احد. و ما احسن ما قيل في ذلك:



المرء في زمن الاقبال كالشجره

و الناس من حولها مادامت الثمره



حتي اذا راح عنها حملها رحلوا

و خلفوها تقاسي الحر و الغبره



تبا لابناء هذا الدهر كلهم

حتي و لا واحد يصفو من العشره



و قال احدهم:



يغطي عيوب المرء كثره ماله

يصدق فيما قال و هو كذوب





[ صفحه 10]



و يزري بعقل المرء قله ماله

تحمقه الاقوام و هو لبيب



و قال آخر:



من كان يملك در همين تعلمت

شفتاه انواع الكام فقالا



و تقدم الاخوان فاستمعوا له

و رايته بين الوري مختالا



لولا دراهمه التي في كيسه

لرايته ازري البريه حالا



ان الغني اذا تكلم بالخطا

قالوا صدقت و ما نطقت محالا



اما الفقير فان تكلم صادقا

قالوا كذبت و ابطلوا ما قالا



ان الدراهم في المواطن كلها

تكسو الرجال مهابه و جلالا



فهي اللسان لمن اراد فصاحه و هي السنان لمن اراد قتالا

و هذه النظره هي عكس النظره الشرعيه الصحيحه التي تقيم وزن الانسان علي مقدار تقواه و فعله و ليس علي ماله و جماله.



>المساله ذل اكبر



المساله ذل اكبر



و من سوء الثقه بالله ان يسال الفقير الناس و لايسال خالق الناس و معطيهم. و لذلك نهي الشارع عن السوال و المساله لغيره الله، و اعتبرها هوانا و ذلا لايتناسب مع منزله المومن و عزته و كرامته. و في ذلك يقول الامام علي (ع):

«من اصبح علي الدنيا حزينا فقد اصبح لقضاء الله ساخطا، و من اصبح يشكو مصيبه نزلت به فقد اصبح يشكور به» (الحكمه 228 نهج)

و يقول النبي (ص): «لا نزال المساله باحدكم حتي يلقي الله و ليس بوجهه مزعه لحم».

و يقول الامام علي (ع): «و مراره الياس خير من الطلب الي الناس» (الخطبه 270 نهج)

و يقول (ع): «ماء وجهك جامد يقطره السوال، فانظر عند من تقطره» (الحكمه 346 نهج).

و اذا كان الغني الذي استعطاه الفقير لئيما، شعر الفقير بمراره العبوديه، و انه اصبح كالاسير في يد الغني يتحكم به كيف يشاء. و ما اجمل ما قال الامام (ع) في هذا المعني:



امنن علي من شئت تكن اميره

و احتج الي من شئت تكن اسيره



و استغن عمن شئت تكن نظيره





[ صفحه 11]



القناعه هي الغني



و اشد ما نهي عنه الشارع الحكيم ان يسال الانسان و هو غير محتاج، فهذا عدا عن اهانه نفسه، فهو يحرم الفقراء الحقيقيين من اخذ حقوقهم.

يقول الامام الصادق (ع): «من سال من غير فقر، فانما ياكل الجمر».

و في الوقت نفسه حض الشارع علي الزهد بالدنيا، و القناعه بما قسم الله، و عدم الحرص علي المزيد من الدنيا. فالانسان يشبعه القرص و يستره الطمر، و في المثل: «من عدم القناعه لم يفده المال غني». و قد توعد سبحانه من يسال و لا يقنع، بالفقر الذي لايزول.

يقول النبي (ص): «من استغني اغناه الله، و من فتح علي نفسه باب مساله فتح الله عليه سبعين بابا من الفقر لايسد ادناها شي ء».

و يقول (ص): «ارض بما قسمه الله لك تكن اغني الناس».

و يقول الامام (ع) في وصيته لابنه الحسين (ع): «اي بني، عزالمومن غناه عن الناس، و القناعه مال لاينفد، و من اكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير». (تحف العقول ص 60)

و يقول (ع): «الغني الاكبر، الياس عما في ايدي الناس» (الحكمه 324 نهج).

و يقول (ع): ولاكنز اغني من القناعه، و لا مال اذهب للفاقه من الرضا بالقوت. و من اقتصر علي بلغه الكفاف فقد انتظم الراحه، و تبوا خفض الدعه» (الحكمه 371 نهج).

و يقول النووي:



وجدت القناعه اصل الفتي

فصرت باذيالها ممتسك



فلا ذا يراني علي بابه

و لاذا يراني به منهمك



وعشت غنيا بلادرهم

امر علي الناس شبه الملك



و يقول الامام الصادق (ع): «ارسل عثمان الي ابي ذر موليين له و معهما مائتا دينار. فقال لهما: انطلقا الي ابي ذر فقولا له: ان عثمان يقرئك السلام و يقول لك: هذه مائتا دينار فاستعن بها علي ما نابك. فقال ابوذر: هل اعطي احدا من المسلمين مثلما اعطاني؟ قالا: لا. قال: انما انا رجل من المسلمين، يسعني ما يسع المسلمين. قالا له: انه يقول هذا من صلب مالي، و بالله الذي لا اله الا هو ما خالطها حرام، و لا بعث بها اليك الا من حلال.

ققال ابوذر: لا حاجه لي فيها و قد اصبحت يومي هذا و انا من اغني الناس. فقالا له: عافاك



[ صفحه 12]



الله و اصلحك، ما نري في بيتك قليلا و لا كثيرا مما يستمتع به. فقال: بلي تحت هذا الاكاف الذي ترون رغيفا شعير، قد اتي عليهما ايام. فما اصنع بهذه الدنانير؟



الحرص فقر



و كم يخطي من يجمع المال و يحرص علي كثيره و عدم نقصه، بدعوي انه سيغنيه و يومن مستقبله، فاذا هو في لحظه واحده قد ادركه الموت، فحمل الي قبره، لا مالا اخذ و لا مالا صرف، فعاش في الدنيا عيش الفقراء، و يحاسب علي ماله حساب الاغنياء.

يقول الامام علي (ع): «عجبت للبخيل يستعجل الفقر الذي منه هرب، و يفوته الغني الذي اياه طلب. فيعيش في الدنيا عيش الفقراء، و يحاسب في الاخره حساب الاغنياء» (الحكمه 126 نهج)

و منه اخذ المتنبي المعني حيث قال:



و من ينفق الساعات في جمع ماله

مخافه فقر، فالذي فعل الفقر



و يقول الامام علي (ع): «ان اخسر الناس صفقه و اخيبهم سعيا، رجل اخلق بدنه في طلب ماله، و لم تساعده المقادير علي ارادته، فخرج من الدنيا بحسرته، و قدم علي الاخره بتبعته» (الحكمه 430 نهج).

كما يقول (ع): «يا ابن آدم، ما كسبت فوق قوتك، فانت فيه خازن لغيرك» (الحكمه 192 نهج).

و يقول يحيي بن الفضل الاندلسي:



جمعت مالا ففكر هل جمعت له

يا جامع المال- اياما تفرقه



المال عندك مخزون لوارثه

ما المال مالك الا حين تنفقه



و يقول ابوالحسن علي المنجم في ذم الحرص:



وذي حرص تراه يلم وفرا

لوارثه و يدفع عن حماه



ككلب الصيد يمسك و هو طاو

فريسته لياكلها سواه



و يقول احدهم:



دع الحرص علي الدنيا

و في العيش فلا تطمع





[ صفحه 13]



و ما تجمع من مال

فلا تدري لمن تجمع



فان الرزق مقسوم

وسوء الظن لاينفع



فقير كل ذي حرص

غني كل من يقنع





>الغني الحقيقي هو العبوديه لله وحده



الغني الحقيقي هو العبوديه لله وحده



المومن يستمد غناه من الله، و يتوثق ذلك كلما ازداد يقينه بالله.

و تبدو النوازع التي تسيطر علي نفس الانسان وفق اتجاهين:

نوازع تدفعه نحو الله، و نوازع تدفعه نحو الماده و الشهوات. و بقدر تحرر الانسان من ربقه الشهوات و ارتباطه بالله يصبح غنيا، لانه يستغني عن كل شي ء في الوجود ماخلا موجد الوجود. و تصبح كل الاشياء في نظره حقيره امام الله تعالي، و تلك هي العباده الحقه.

يقول الامام علي (ع): «ان من حق من عظم جلال الله سبحانه في نفسه، و جل موضعه من قلبه، ان يصغر عنده كل ما سواه» (الخطبه 214 نهج).

و ليس من فرق بين من يعبد الاوثان الحجريه، و من يعبد اصنام الماده و المال، يكرس حياته لخدمتها، و يري انها هي اتي تنفع و تضر، حتي يصبح اسيرا لها، تتحكم به دون ان يتحكم بها. فكلاهما يحمل حقيقه الشرك و التبعيه لغير الله، كما قال الشاعر الكبير اقبال:



سيان في الشرك هذا عابد ذهبا

يسعي الي جمعه، او عابد وثنا



و مثل هذا الانسان و ان كان ظاهره الغني الا انه من افقر الفقراء.

و في مقابل ذلك من يكسسب الاموال فينفقها في سبيل الله، و يدفعها الي الفقراء و المستضعفين، و لا يمسك منها غير قوت الكفاف، فهذا و ان كان في ظاهره فقيرا، الا انه اعظم الاغنياء.

و لاينفي هذا ان يكون المومن غنيا، فالشارع حض علي الغني، ولكن المحرم ان لايكون الغني عبدا لماله، بل ان يكون المال عبدا له، و يحدث ذلك عندما يعرف المومن ربه حق معرفته، و يبلغ في نظره من العظمه حدا تصغر دونه كل الاشياء.

يقول الامام علي (ع):

«ان من حق من عظم جلال الله سبحانه في نفسه، و جل موضعه من قلبه، ان يصغر عنده كل



[ صفحه 14]



ماسواه. و ان احق من كان كذلك لمن عظمت نعمه الله عليه، و لطف احسانه اليه. فانه لم تعظم نعمه الله علي احد الا ازداد حق الله عليه عظما» (الخطبه 214 نهج).

و في هذا المعني تروي القصه التاليه:

ان شخصا سمع بزاهد فاراد ان يزوره، و لما قدم عليه وجده يعيش في قصر فخم، و من حمله الرياش و الخدم. فقال له: عجبت من امرك، و قد سمعت انك زاهد، و ما اري آثار ذلك عليك. فقال الزاهد: ليس الزهد ان لاتملك المال، و انما الزهد ان لايملك المال. و لقد انعم الله علي بهذه الخيرات التي تري، و انا اعمل علي انفاقها في سبيل الله، و اسخرها لقضاء حوائج المومنين، و اري ان وجودها و عدم وجودها عندي سيان.



فقر الصالحين



يسمي الفقر الذي لايكون الانسان فيه مفتقرا الا الي الله (فقرالصالحين) و هو ارقي درجه يبلغها المومن في معارج الفضيله و الصلاح و السمو و الفلاح، حيث يترفع عن موثرات الدنيا الفانيه، زاهدا بمظاهرها و متعها.

و يحصل هذا الفقر في آخر درجات تربيه النفس، تربيه تسير بها الي العباده الحقه و الفضيله الانسانيه، حيث يدرك الانسان المومن ان المال وسيله لاغايه. وسيله للاكتفاء و الترفع عن حاجه الناس، ثم وسيله المواساه الاخرين و رفع البوس عنهم.

و ليس يعني هذا القعود عن العمل و التواكل علي الغير، بل انه ينطوي علي العمل و الجهاد، لتسخير الوجود كله لخدمه الانسان، و نشر العداله والسعاده بين كل بني الانسان.

انه اقتفاء طريق العارفين، و ارتواء القلب من عين اليقين... انه عزه للنفس و اباء، يوصلان الي الجوزاء، و توحيد صادق لله خالص من كل رياء.

و في ذلك يقول الفيلسوف الاسلامي الكبير الدكتور محمد اقبال:



يا عبيد الماء و الطين اسمعوا

ما هو الفقر الغني الارفع



هو عرفان طريق العارفين

وارتواء القلب من عين اليقين



ذلك الفقر عزيز في غناه

هامه الجوزاء من ادني خطاه





[ صفحه 15]



يرعش الدهر اذا دوي صداه

ليس غير الله في الكون اله



فقرنا ليس برقص او غناء

ليس سكر النفس في موت الرجاء



فقرنا معناه تيسير الجهود

فقرنا معناه تسخير الوجود



فقرنا العادي سراج لوظهر

يخجل الشمس و يزري بالقمر



انه ايمان بدر و حنين

انه زلزال تكبير الحسين



قم و ابلغ نوره للعالمين

قم و اسمعه البرايا اجمعين



و علي هذا الصراط سار سائر الانبياء و خاتم الرسل محمد (ص)، كما سار ربيب النبوه الامام علي (ع) و تلامذته المخلصون كابي ذر الغفاري (رض)، فكانوا ازهد اهل زمانهم.



الزهد صفه العارفين



فاما نبينا محمد (ص) فقد ولد يتيما فقيرا، في حين كان اعداوه يرتعون في نعيم العيش ولذات الدنيا، و قد امره تعالي ان يلازم الفقراء من اصحابه لانهم يذكرونه بالله، حيث قال: «واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداه و العشي يريدون وجهه، و لا تعد عيناك عنهم، تريد زينه الحياه الدنيا) (الكهف- 28). و لقد عرضت عليه الدنيا فابي ان يقبلها. خرج من الدنيا خميصا، و ورد الاخره سليما. لم يضع حجرا علي حجر، حتي مضي لسبيله، و اجاب داعي ربه.

و اما موسي (ع) كليم الله، فقد خاطب ربه قائلا (رب اني لما انزلت الي من خير فقير) و لم يساله الا خبزا ياكله، لانه كان ياكل من بقول الارض. و لقد كانت خضره البقل تري من شفيف صفاق بطنه لهزاله و تشذب لحمه.

و اما داود (ع) صاحب المزامير، فلقد كان يعمل سفائف الخوص بيده، و يقول لجلسائه: ايكم يفكيني بيعها، و ياكل قرص الشعير من ثمنها.

و اما عيسي (ع) روح الله، فلقد كان يتوسد الحجر و يلبس الخشن و ياكل الجشب. و كان ادامه الجوع، و سراجه في الليل القمر، و ظلاله في الشتاء مشارق الارض و مغاربها، و فاكهته و ريحانه ما تنبت الارض للبهائم.



[ صفحه 16]



مثال الامام علي (ع):

اما الامام علي (ع) فقد ضرب اروع مثل علي التحرر الوجداني و الطهاره النفسيه، لاسيما و انه احد الخمسه اصحاب الكساء الذين قال الله فيهم «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يظهركم تطهيرا) (الاحزاب- 33).

و اذا تصفحنا سيره الامام (ع) وجدناها تنبض بالحريه و تفيض بالتحرر الوجداني الرفيع. لابل انه لم يكتف بتحرير نفسه و تطهيرها من كل علائق الماده و الدنيا، بل قام يعمل جاهدا طوال حياته ليدخر من عرق جبينه الدراهم، ليشتري بها العبيد فيعتقهم لوجه الله تعالي، حتي توفي و لم يخلف درهما قط. [1] و كان لايفتا يلبس الخشن و ياكل القديد و هو الخبز اليابس.

و من ابلغ اقواله التي تدل علي زهده و تحرره و مشاركته لكل فرد في دولته بالمكاره و الحرمان، كتابه الذي وجهه الي عثمان بن حنيف الانصاري عامله علي البصره، و قد بلغه انه دعي الي وليمه قوم من اهل البصره فمضي اليها، و فيها يقول:

«الا و ان لكل ماموم اماما يقتدي به و يستضي بنور علمه. الا و ان امامكم قد اكتفي من دنياه بطمريه (اي ثوبيه الباليين) و من طعمه بقرصيه (اي رغيفي الشعير). الا و انكم لاتقدرون علي ذلك، ولكن اعينوني بورع و اجتهاد وعفه و سداد، فوالله ما كنزت من دنياكم تبرا (اي ذهبا) و لا ادخرت من غنائمها وفرا، و لا اعددت لبالي قوبي طمرا...» الي ان يقول (ع):

«و انما هي نفسي اروضها بالتقوي لتاتي آمنه يوم الخوف الاكبر، و تثبت علي جوانب المزلق. و لو شئت لاهتديت الطريق الي مصفي هذا العسل، و لباب هذا القمح، و نسائج هذا القز، ولكن هيهات ان يغلبني هواي او يقودني جشعي الي تخير الاطعمه، و لعل بالحجاز او اليمامه من لاطمع له في القرص و لا عهد له بالشبع. او ابيت مبطانا و حولي بطون غرثي و اكباد حري! اكون كما قال الشاعر:



وحسبك داء ان تبيت ببطنه

و حولك اكباد نحن الي القد



ااقنع من نفسي بان يقال هذا اميرالمومنين، و لا اشاركهم في مكاره الدهر، او اكون اسوه لهم في جشوبه العيش؟ فما خلقت ليشغلني اكل الطيبات، كالبهيمه المربوطه همها علفها، او المرسله شغلها نقممها».

فالامام عليه السلام لم يكن ليرضي ان يكون همه في الحياه و شغله الشاغل، التمتع باللذائذ الماديه و الطيبات من الطعام و الشراب، كما هو حال الحيوانات و البهائم، لابل ان الانسان ارفع من ذلك، فلقد خلق ليحمل مبدا و ينشر رساله، و تلك هي رساله



[ صفحه 17]



الحق و العدل و المساواه.

لقد اكتفي الامام (ع) من دنياه كلها بثوبيه الباليين و برغيفيه الشعير يقيم بهما اوده، و ماذا يريد بعد ذلك من حطام الدنيا و لذائذها. لقد روض نفسه علي القناعه و الزهد و التقوي، مما لايستطيع غيره ان يفعله او يصبر علي تطبيقه، و حري به ان يكون بهذه المنزله من التحرر الوجداني و السمو النفساني، لانه هو القدوه لجميع المسلمين، و هو الامام لجميع الانام.

لقد كانت تحت تصرفه (ع) كل اصناف النعم و كل الوان الطيبات، من العسل المصفي و الخبز الطازج و الحرير الناعم، ولكنه مع ذلك آثر ان يكون حظه من هذه الماديات كحظ اقل فرد من رعيته، لان من ابرز مبادي رسالته التي قام ينشرها و يطبقها، المساواه بين الناس و نشر العداله بينهم، و تامين القسط الانساني الضروري لحياتهم، و الرفع من سويتهم المعيشيه، ليصبح الجميع مكتفين و اغنياء، لايحتاج احد منهم الي احد

مثال ابي ذر الغفاري:

و علي هذا المنوال الرائد سار الصحابه الاوائل رضوان الله عليهم، الذين لم يبدلوا و لم يغيروا، و لم يلههم سلطان و لا مال، عن تطبيق ما عاهدوا الله عليه، و نشر ما وطنوا انفسهم عليه، و من اعظم امثلتهم الصحابي الجليل ابوذر الغفاري.

لقد آمن ابوذر بالرساله الجديده ايمانا عميقا، حتي اضطرمت الحقيقه في قلبه، و تلجلج صدره بانوار التحرر و اليقين، فاصبح يري كل شي ء في هذه الدنيا رخيصا امام مبدئه و دينه، فوهب لعقيدته كل ما يملك، و كل ما اوتي من قوه و عزيمه.

هاهو ابوذر يطوف في ربوع مكه المكرمه، مجاهرا بمبدئه الحق، معلنا حربه علي العبوديه و الاستغلال و الجهل و الضلال.

لقد قام يحذر الناس من مغبه كنزالاموال [2] ، و يدعوهم الي البذل و العطاء و السماحه و المشاركه، دون ان يضع في حسبانه خوفا من سلطه او رهبه من قوه.

لقد بدا اول ما بدا بنفسه يطبق عليها مبادي هذا البذل و العطاء و المساعده و المشاركه و العداله و المساواه. فانفق كل مالديه علي الفقراء و المساكين، ثم سار في ارجاء البلاد يدعو الناس الي مادعا نفسه اليه، بكل صمود و تصميم و ايمان و يقين.



[ صفحه 18]



فلما جاء عهد الخليفه عثمان و انحرف الناس عن مبادي ء الاسلام و حقائق الايمان، قام ابوذر يعلنها حربا شعواء علي كل منحرف و معاند، قد استهوته الحياه و مادياتها، [3] حتي صرفته عن دينه و انسانيته. فلم يترك مسجدا و لا حلقه و لا مجلسا الا استغله لتوجيه الناس و الهاب عواطفهم الطيبه و نبذ عاداتهم السيئه. دون ان يساوره خوف او هلع، او يفت في عضده وهن او ضعف. و مم يخاف؟ و هو الذي لايملك مالا فتاخذه الدوله، و لا ارضا فتستملكها، و لا دارا فتصادرها و لا وظيفه فتصرفه عنها. انه لايملك من حطام الدنيا شيئا فيخاف عليه، فعاد لايخاف الا الله. لقد قطع عن نفسه كل علائق الماده فاصبحت نفسه حره بكل معاني الصفاء و التحرر.

انظر اليه و قد قام خطيبا في الناس يصور ما آلت اليه الامور في عهد عثمان، و يستكر مظاهر الانحراف التي حصلت، فيقول: «لقد حدثت اعمال ما اعرفها. و الله ما هي في كتاب الله و لا سنه نبيه. و الله اني لاري حقا يطفا، و باطلا يحيا، و صادقا مكذبا، و اثره بغير تقي. يا معاشر الاغنياء و اسوا الفقراء. و بشر الذين يكنزون الذهب و الفضه و لا ينفقونها في سبيل الله بمكا و من نار، تكوي بها جباهم و جنوبهم و ظهورهم».

«اتخذتم ستور الحرير و نضائد الديباج، و تالمتم الاضطجاع علي الصوف الاذربي، و كان رسول الله (ص) ينام علي الحصير. واختلف عليكم بالوان الطعام، و كان رسول الله (ص) لايشبع من خبز الشعير».

و عاش ابوذر طوال حياته، ينفق ماله علي اليتامي و المحرومين، و يوزع حصيله اتعابه علي الفقراء و المعسرين، و قد وقف نفسه لخدمه المساكين و المحتاجين، يدافع عن حقوقهم و يعرض نفسه للهلاك من اجلهم، حتي نفي الي صحراء (الربذه)، و هي مكان بين المدينه و الشام. فعاش هناك تحت خباء خيمته وحيدا فريدا مع زوجته. و صدق فيه قول النبي (ص): «يا اباذر، تمشي وحدك، و تموت وحدك، و تبعث وحدك».

فكان فقره هذا اعظم الغني، و كانت فاقته تلك هي اعظم السعه. و كان و هو في سجنه في منفاه، اعظم انسان حر عرفته البشريه. و لتلك حال من ينسلخ من علائق الماده و التراب، ليصبح نورا متالقا فوق السحاب.

و حانت من ابي ذر التفاته الي زوجته، و قد ادركه النزع الاخير، فطفق يبكي. فقالت له زوجته: اجزعا من الموت تبكي يا اباذر و انت الصادق الصدوق؟! قال: لا يا امه الله، ولكني تذكرت وصيه رسول الله لي، حين قال: «يا اباذر اياك ان تموت و قد خلفت قيراطين»! فنظرت زوجته الي ما حولها لتري ما ترك زوجها في خيمته، فلم تجد غير حصيره باليه و ابريق يشرب منه و آنيه يغتسل بها.



[ صفحه 19]



المال مال الله



تنطلق نظره الاسلام الي المال من حقيقه عميقه، و هي ان المال هو في الاصل مال الله، و كل مال في ايدينا قد اعطاه الله لنا علي نحو التوكيل و ليس التمليك. فالمومن موظف علي ماله ليستخدمه فيما امر الله و اراد، فاذا هو لم يستخدمه وفق ذلك فقد اساء التصرف، و علي الجماعه المسلمه ممثله في الحاكم الشرعي ان تحجر عليه، و تمنعه من التصرف به، و تقيم علي المال وكيلا عنه. و بهذه الطريقه لايفسح الاسلام للمال ان يستخدم في الظلم والاستغلال و الباطل. فالشرع يحمي المالك طالما هو ينفذ الخطه الالهيه المرسومه له، فاذا هو شذ عن ذلك نزع حمايته عنه.



المال وسيله و ليس غايه



و من هذه النظريه الرفيعه لوظيفه المال يتبين ان الاسلام يعتبر المال وسيله لاغايه، فهو في الدرجه الاولي وسيله للاكتفاء الشخصي حتي لايحتاج الانسان الي سواه، و هو في الدرجه الثانيه وسيله لبناء المجتمع السليم و تامين الحياه الانسانيه لكل فرد فيه، في جويتيح لكل فرد الفرص العريضه ليعمل و يجد و يحقق كل ظاقاته و مواهبه.

و عندما ينحسر دافع الدين من قلب المومن، ينسي علاقته الاساسيه بالله، فينكب علي جمع المال شغفا بالمال، فلايعود همه غيرمل ء حصالته من النقود، فلايبالي من اين جمع المال و لا الغايه من جمعه، فيصبح عبدا للماده دون ان يستفيد منها او يفيد احدا من المحتاجين اليها. و تنعدم قيمته في الجماعه كلما فقد المجتمع الفائده منه، مصداقا لقول الامام (ع): «قيمه كل امري ما يحسنه». [1] .

و بالنسبه للمخطط التكاملي للمجتمع يعتبر مثل هذا الفرد سرطانا، لانه يمتص كل الطاقات من حوله، دون ان يعطي شيئا، فاذا لم تتخلص الجماعه منه اتي عليها. [2] لذلك حرم الاسلام الربا و الاحتكار و الاستغلال و الجشع.

و من ذلك ماورد في كتاب الامام (ع) لمالك الاشتر حين ولاه مصر. يقول (ع) :

«فامنع من الاحتكار، فان رسول الله (ص) منع منه. وليكن البيع بيعا سمحا، بموازين عدل، و اسعار لاتجحف بالفريقين، من البائع و المبتاع، فمن قارف حكره (اي احتكارا) بعد نهيك اياه فنكل به، و عاقبه في غير اسراف» (الخطبه 292 نهج).



[ صفحه 21]